منذ قرون عديدة كانت ليبيا تستقبل آلاف الأفارقة الذين أتوا من أعماق وأواسط إفريقيا عن طريق تجارة القوافل . وبطبيعة الحال جلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم وفنونهم الشعبية . بقيت هذه الفنون محتفظة بطابعها الأصلي في حلقات الملعب التي تقام في شهر شعبان والمتضمنة للرقصات الإفريقية التي استخلصت منها الرقصات الشعبية مثل -القوبية- وغيرها . كما أن البوسعدية كان يمثل إحدى هذه الرقصات .
أصل البوسعدية في ليبيا كما يقول الأجداد، أتى من مهاجر من بلد السودان هاجر إلى طرابلس مع زوجته وابنته سعدية .
كان لبوسعدية طلعته الظريفة التي دأب أن يظهر بها عبر أزقة وشوارع الحي حاملاً على كتفه الدنقة وهو ينقرها بعصاه ويده ليظهر بها إيقاعاته الافريقية التي تصاحبها قرقعة العظام اليابسة المربوطة بخيوط متدلية حول نطاقه ، والقواقع المعلقة على صدره وعند كاحليه ، مرتدياً ملابس مزركشة بها قطع من المرايا مع ذيول الأرانب والثعالب ، وخوذة جلدية بها قطع من المرايا هي الأخرى وعليها رأس طير كبير مع قرن غزال ، وهو يردد بعض الكلمات التي جعلها تتناسب مع رقصاته وحركاته التي لاتخلو من رشاقتها:
*** بو سعـديه نار قويه ***
*** بو سعـديه غـز قليـه ***
*** بو سعـديه دانا دانا ***
*** حط عظامه في الجبانه ***
*** بو سعدـيه طق .. طق ***
*** حط عظامه في الطبق ***
وكان أطفال الحي الصغار يتجمعون حوله وهم يصفقون مع إيقاعاته الجميلة كما يسيرون خلفه كلما سلك طريقه عبر دروب الحي وإلي جانب ذلك يعينونه علي طرق الأبواب، التي تٌفتح لتعطي بوسعديه ، ماتجود به من دراهم أو أكل . ثم يتابع غنائه وسيره عبر دروب الحي حتى يختفي عن أنظارهم رويداً رويداً بعد أن يترك البهجة في قلوبهم وعدة تساؤلات في مخيلتهم .. إلى أين يمضي؟ ومن أين أتى؟ وأين يسكن وأين ينام؟
تتبلور هذه الأسئلة في حركة يعبرون بها عن هذه الحيرة .. وذلك بأن يقوم أحدهم بوضع يديه على كتفى الآخر من الخلف وكأنه لا يرى شيئاً فيما يقوده الآخر وهما يتابعان خطواتهما بهذه الكلمات:
الأول: *** وين حوش البوسعديه ***
الثاني: *** مازال القدام شويه ***
وكانوا يضحكون ويتعثرون وتنتابهم السعادة الغامرة التي كانت تملىء الأزقة عند قدومه . مع العلم أن الأمهات كن يهددن الأطفال المتصفون بالشيطنه بنهن سيطلبون من بوسعدية ليأخذهم إلى مكان غير معروف.
واستمر من بعد بوسعدية أحفاذه حتى عام 1956 مع إختصار مظهره وتصغير طبله .
كما ظهر البوسعدية في عدة مدن ليبية أخرى كبنغازي وشحات